فصل: قال الذهبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله لاَ يُحِبُّ الظالمين}:

.قال الفخر:

{والله لاَ يُحِبُّ الظالمين} قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي المشركين، لقوله تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] وهو اعتراض بين بعض التعليل وبعض، وفيه وجوه: الأول: والله لا يحب من لا يكون ثابتًا على الإيمان صابرًا على الجهاد.
الثاني: فيه إشارة إلى أنه تعالى إنما يؤيد الكافرين على المؤمنين لما ذكر من الفوائد، لا لأنه يحبهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{والله لاَ يُحِبُّ الظالمين} أي يبغضهم، والمراد من الظالمين إما المنافقون كابن أبيّ وأتباعه الذين فارقوا جيش الإسلام على ما نقلناه فيما قبل فهم في مقابلة المؤمنين فيما تقدم المفسر بالثابتين على الإيمان الراسخين فيه الذين توافق ظواهرهم بواطنهم، وإما بمعنى الكافرين المجاهرين بالكفر، وأيًا ما كان فالجملة معترضة لتقرير مضمون ما قبلها، وفيها تنبيه على أنه تعالى لا ينصر الكافر على الحقيقة وإنما يغله أحيانًا استدراجًا له وابتلاءًا للمؤمن، وأيضا لو كانت النصرة دائمًا للمؤمنين لكان الناس يدخلون في الإيمان على سبيل اليمن والفأل، والمقصود غير ذلك. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مِّثْلُهُ}.
المراد بالقرح الذي مس المسلمين هو ما أصابهم يوم أحد من القتل والجراح، كما أشار له تعالى في هذه السورة الكريمة في مواضع متعددة كقوله: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الموت مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} [آل عمران: 143] وقوله: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران: 140] الآية وقوله: {حتى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمر وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخرة ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} [آل عمران: 152] وقوله: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ والرسول يَدْعُوكُمْ في أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153] ونحو ذلك من الآيات.
وأما المراد بالقرح الذي مس القوم المشركين فيحتمل أنه هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والأسر، وعليه فإليه الإشارة بقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب فاضربوا فَوْقَ الأعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذلك بأنهمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [الأنفال: 12- 13].
ويحتمل أيضا أنه هزيمة المشركين أولًا يوم أُحد كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، وقد أشار إلى القرحين معًا بقوله: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا} [آل عمران: 165] فالمراد بمصيبة المسلمين القرح الذي مسهم يوم أُحُد، والمراد بمصيبة الكفار بمثليها قبل القرح الذي مسهم يوم بدر. لأن المسلمين يوم أحد قتل منهم سبعون والكفار يوم بدر قتل منهم سبعون، وأسر سبعون.
وهذا قول الجمهور وذكر بعض العلماء أن المصيبة التي أصابت المشركين هي ما أصابهم يوم أحد من قتل وهزيمة، حيث قتل حملة اللواء من بني عبد الدار، وانهزم المشركون في أول الأمر هزيمة منكرة وبقي لواؤهم ساقطًا حتى رفعته عمرة بنت علقمة الحارثية وفي ذلك يقول حسان:
فلولا لواء الحارثية أصبحوا ** يباعون في الأسواق بيع الجلائب

وعلى هذا الوجه: فالقرح الذي أصاب القوم المشركين يشير إليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران: 152] الآية. ومعنى تحسونهم: تقتلونهم وتستأصلونهم وأصله من الحس الذي هو الإدراك بالحاسة فمعنى حسه أذهب حسه بالقتل ومنه قول جرير:
تحسهم السيوف كما تسامى ** حريق النار في أجم الحصيد

وقول الآخر:
حسناهم بالسيف حسًا فأصبحت ** بقيتهم قد شردوا وتبددوا

وقول رؤبة:
إذا شكونا سنة حسوسا ** تأكل بعد الأخضر اليبيسا

يعني بالسنة الحسوس: السنة المجدبة التي تأكل كل شيء، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب أن الآية قد يكون فيها احتمالان وكل منهما يشهد له قرآن، وكلاهما حق فنذكرهما معًا، وما يشهد لكل واحد منهما.
قال بعض العلماء: وقرينة السياق تدل على أن القرح الذي أصاب المشركين ما وقع بهم يوم أحد.
لأن الكلام في وقعة أحد ولكن التثنية في قوله مثليها تدل على أن القرح الذي أصاب المشركين ما وقع بهم يوم بدر. لأنه لم ينقل أحد أن الكفار يوم أحد أصيبوا بمثلي ما أصيب به المسلمون، ولا حجة في قوله: {تَحُسُّونَهُمْ} [آل عمران: 152]. لأن ذلك الحس والاستئصال في خصوص الذين قتلوا من المشركين، وهم أقل ممن قتل من المسلمين يوم أحد، كما هو معلوم.
فإن قيل: ما وجه الجمع بين الإفراد في قوله: {قَرْحٌ مِّثْلُهُ} [آل عمران: 140] وبين التثنية في قوله: {قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا} [آل عمران: 165] فالجواب والله تعالى أعلم أن المراد بالتثنية قتل سبعين وأسر سبعين يوم بدر، في مقابلة سبعين يوم أحد، كما عليه جمهور العلماء.
والمراد بإفراد المثل: تشبيه القرح بالقرح في مطلق النكاية والألم، والقراءتان السبعيتان في قوله: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ} [آل عمران: 140] بفتح القاف وضمها في الحرفين معناهما واحد فهما لغتان كالضعف والضعف.
وقال الفراء: القرح بالفتح الجرح وبالضم ألمه اهـ. ومن إطلاق العرب القرح على الجرح قول متمم بن نويرة التميمي:
قعيدك ألا تسمعيني ملامة ** ولا تنكثي قرح الفؤاد فييجعا

.قال الذهبي:

عدد الشهداء:
قد مر أن البخاري أخرج من حديث البراء أن المشركين أصابوا منا سبعين.
وقال حماد بن سملة عن ثابت عن أنس قال: يا رب السبعين من الأنصار سبعين يوم أحد وسبعين يوم بئر معونة وسبعين يوم مؤتة وسبعين يوم اليمامة.
وقال عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال: قتل من الأنصار في ثلاثة مواطن سبعون سبعون: يوم أحد ويوم اليمامة ويوم جسر أبي عبيد.
وقال ابن جريج: أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {قد أصبتم مثليها} قال: قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين.
وأما ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة فقال: جميع من قتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من قريش والأنصار: أربعة وأربعون أو قال: سبعة وأربعون رجلا.
وجميع من قتل يوم أحد يعني من المشركين تسعة عشر رجلا.
وقال موسى بن عقبة: جميع من استشهد من المسلمين من قريش والأنصار تسعة أو سبعة وأربعون رجلا.
وقال ابن إسحاق: جميع من استشهد من المسلمين من المهاجرين والأنصار يوم أحد خمسة وستون رجلا. وجميع قتلى المشركين اثنان وعشرون.
قلت: قول من قال سبعين أصح. ويحمل قول أصحاب المغازي هذا عدد من عرف اسمه من الشهداء فإنهم عدوا أسماء الشهداء وأنسابهم.
قال ابن إسحاق: استشهد من المهاجرين: حمزة وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي حليف بني عبد شمس وهو ابن عمة رسول لله صلى الله عليه وسلم وقد دفن مع حمزة في قبر واحد.
ومصعب بن عمير وعثمان بن عثمان ولقبه شماس وهو عثمان ابن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم القرشي المخزومي ابن أخت عتبة بن ربيعة هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا. ولقب شماسا لملاحته.
ومن الأنصار: عمرو بن معاذ بن النعمان الأوسي أخو سعد وابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ والحارث بن أنس بن رافع وعمارة بن زياد بن السكن وسلمة وعمرو ابنا ثابت بن وقش وعمهما: رفاعة بن وقش وصيفي بن قيظي وأخوه: حباب وعباد بن سهل وعبيد بن التيهان وحبيب بن زيد وإياس بن أوس الأشهيلون. واليمان أبو حذيفة حليف لهم. ويزيد بن حاطب بن أمية الظفري وأبو سفيان بن الحراث بن قيس وغسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر الراهب ومالك بن أمية؛ وعوف بن عمرو وأبو حية بن عمرو ابن ثابت وعبد الله بن جبير بن النعمان أمير الرماة وأنس بن قتادة وخيثمة والد سعد بن خيثمة وحليفه: عبد الله بن سلمة العجلاني وسبيع بن حاطب بن الحارث وحليفه: مالك بن أوس وعمير بن عدي الخطمي وكلهم من الأوس.
واستشهد من الخزرج: عمرو بن قيس النجاري وابنه: قيس وثابت بن عمرو بن زيد وعامر بن مخلد وأبو هبيرة بن الحارث بن علقمة وعمرو بن مطرف وإياس بن عيد وأوس أخو حسان بن ثابت. وهو والد شداد بن أوس وأنس بن النضر بن ضمضم وقيس بن مخلد وعشرتهم من بني النجار.
وعبد لهم اسمه: كيسان وسلمة بن الحارث ونعمان بن عبد عمرو وهما من بني دينار بن النجار.
ومن بني الحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد بن أبي زهير وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير وأوس بن أرقم بن زيد أخو زيد بن أرقم.
ومن بني خدرة: مالك بن سنان وسعيد بن سويد وعتبة بن ربيع.
ومن بني ساعدة: ثعلبة بن سعد بن مالك. وثقف بن فروة وعبد الله بن عمرو بن وهب. وضمرة حليف لهم من جهينة.
ومن بني عوف بن الخزرج ثم من بني سالم: عمرو بن إياس ونوفل بن عبد الله وعبادة بن الخشخاش والعباس بن عبادة بن نضلة. والنعمان بن مالك. والمجذر ابن ذياد البلوي حليف لهم.
ومن بني الحبلي: رفاعة بن عمرو.
ومن بني سواد بن مالك: مالك بن إياس.
ومن بني سلمة: عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام. وكنا متآخيين وصهرين فدفنا في قبر واحد.
وخلاد بن عمرو بن الجموح ومولاه أسير أبو أيمن مولى عمرو.
ومن بني سواد بن غنم: سليم بن عمرو بن حديدة ومولاه عنترة وسهيل بن قيس.
ومن بني زريق: ذكوان بن عبد قيس وعبيد بن المعلى بن لوذان.
قال ابن إسحاق: وزعم عاصم بن عمر بن قتادة أن ثابت بن وقش قتل يومئذ مع ابنيه.
وذكر الواقدي جماعة قتلوا سوى من ذكرنا. اهـ.

.سؤال وجواب:

فإن قيل كيف قال: {قَرْحٌ مّثْلُهُ} وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين؟
قلنا: يجب أن يفسر القرح في هذا التأويل بمجرد الانهزام لا بكثرة القتلى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قرأ الأخوان، وأبو بكر: قُرْح- بضم القاف- وكذلك القُرْحُ معرَّفًا.
والباقون بالفتح فيهما.
فقيل: هما بمعنى واحد، ثم اختلف القائلون بهذا.
فقال بعضهم: المراد بهما: الجُرْح نفسه، وقال بعضهم- منهم الأخفش- المراد بهما المصدر، يقال: قَرِحَ الجُرح، يَقْرحُ، قَرْحًا، وقُرْحًا.
قال امرؤ القيس: [الطويل]
وَبُدِّلْتُ قَرْحًا دَامِيًا بَعْدَ صِحَّةٍ ** لَعَلَّ مَنَايَانَا تَحَوَّلْنَ أبْؤُسَا

والفتح لغة الحجاز، والضم لغة تميم، فهما كالضَّعْف والضُّعْف، والكَرْه والكُرْه، والوَجْد والوُجْد.
وقال بعضهم: المفتوح: الجُرْح، والمضموم: ألَمُه، وهو قول الفراء.
وقرأ ابن السميفع بفتح القاف والراء، كالطرْد والطرَد.
وقال أبو البقاءِ: وهو مصدر قَرِحَ يَقْرح، إذا صار له قُرْحَة، وهو بمعنى: دَمِيَ.
وقُرِئَ قُرُح- بضمهما-.
قيل: وذلك على الإتباع كاليُسْر واليُسُر، والطُّنْب والطُّنُب.
وقرأ الأعمش: {إن تمسسكم قروح}- بالتاء من فوق، وصيغة الجمع في الفاعل، وأصل المادة: الدلالة على الخُلُوص، ومنه الماء القَرَاح، الذي لا كُدُورةَ فيه.
قال الشاعر: [الوافر]
فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ، وَكُنْتُ قَبْلًا ** أكَادُ أغَصُّ بِالْمَاءِ الْقَرَاح

وأرض قرحة- أى: خالصة الطين- ومنه قريحة الرجل- أى: خالص طَبْعه-.
وقال الراغب: القَرْح الأثر من الجراحة من شيء يُصيبه من خارج، والقُرْح- يعني: بالضم- أثرها من شيء داخل- كالبشرة ونحوها- يقال: قَرَحْته، نحو جَرَحْته.
قال الشاعر: [البسيط]
لا يُسْلِمُونَ قَرِيحًا حَلَّ وَسَطَهُمُ ** يَوْمَ اللِّقَاءِ، ولا يُشْوُونَ مَنْ قَرَحُوا

أي: جرحوا. وقرح: خرج به قرح.
ويقال: قَرَحَ قلبُه، وأقرحه الله- يعني: فَعَل وأفْعَل فيه بمعنًى- والاقتراح: الابتداع والابتكار ومنه: اقترح عليَّ فلانٌ كذا، واقترحْتُ بِئرًا: استخرجت منها ماءً قَرَاحًا. والقريحة- في الأصل- المكان الذي يجمتع فيه الماء المستنبط- ومنه استُعِيرت قريحةُ الإنسان- وفرس قارح، إذا أصابه أثَرٌ من ظُهور نَابِهِ، والأنْثَى قارحة، وروضة قرحاء، إذا كان في وسطها نَوْر؛ وذلك لتشبيهها بالفرس القرحاء.
قوله: {فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ} للنحويين- في مثل هذا- تأويل، وهو أن يُقَدِّرُوا شيئًا مستقبلًا؛ لأنه لا يكون التعليق إلا في المستقبل- وقوله: {فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مِثْلُهُ} ماضٍ مُحَقَّق- وذلك التأويل هو التبيين، أي: فقد تَبَيَّن مَسُّ القرح للقوم وسيأتي له نظائر، نحو: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: 26] و{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ} [يوسف: 27].
وقال بعضهم: جواب الشرط محذوف، تقديره: فتأسَّوا، ونحو ذلك.
وقال أبو حيان: ومَنْ زعم أن جواب الشرط هو {فَقَدْ مَسَّ}، فهو ذاهل.